نقـد التأصیـل اللغـوی للشعـر الجاهلـی
الملخص
التأصیل اللغوی الذی أودعه علماؤنا العرب القدماء فی کتبهم اللغویة والأدبیة وغیرها ومعاجمهم الضخمة عمل جلیل وعظیم ودقیق لا نعلم علماء أمة من الأمم القدیمة قاموا بمثل ما قام به أولئک العلماء الأفذاذ من سلفنا الصالح رحمهم الله وجزاهم خیر الجزاء. فقد کانوا مستقرئین للغة واعین للأصول والاشتقاقات مستنبطین دقائقها ومحیطین بها وبثرائها وغناها الکبیر بالمعانی والدلالات. ومن الطبیعی أن یکون تأصیلهم هذا للغة محکوما بعصورهم وما انتهت إلیه علومهم ومعارفهم سواء فی العربیة أو فی اللغات الأخرى، ولذلک نجدهم یعیدون کلمات کثیرة فی تأصیلها اللغوی أو تعریبها إلى الفارسیة أو العبریة أو السریانیة أو اللاتینیة أحیانا. ونحن الیوم وبحکم التطور العلمی أوسع منهم معرفة باللغات لاسیما القدیمة منها والتی ترتبط بالعربیة وتعد شقیقات لها أکثر من بعض اللغات المذکورة آنفاً التی کانوا یعرفون صلتها بالعربیة وقربها منها، بما فتح الله على الناس باکتشاف الآثار واللغات القدیمة على ید المستشرقین ثم آثاریینا ولغویینا العرب المحدثین والمعاصرین من المعرفة باللغات العاربة (المعروفة بالسامیة أو الجزریة) شقیقات اللغة العربیة وهی الأکدیة) البابلیة والأشوریة) والکنعانیة والعبریة والآرامیة والعربیة الجنوبیة(السبئیة والمعینیة والقتبانیة وغیرها) والحبشیة وغیرها، وغیر العاربة وأشهرها السومریة والمصریة القدیمة. ولذلک یرى الدارسون الآن مستشرقین وعرباً أن فی عمل العلماء العرب الأوائل نقصا فی التأصیل اللغوی على عظمته یمکن ان یستدرکه اللغویون العرب المحدثون ویکملوه بالإفادة من المعرفة الحدیثة باللغات القدیمة، یقول ولفنسون: "على أننا إذا أعفینا الجمهور من البحث فی غوامض التأریخ القدیم للأمم السامیة فإننا لا نعفی من یشتغل بدراسة اللغة العربیة ویتوغل فی تحلیل نحوها وصرفها وبلاغتها إذا کانت فی ذلک کله متأثرة بأخواتها من اللغات السامیة. ویقول أستاذنا الکبیر الدکتور عامر سلیمان فی أهمیة دراسة اللغة الأکدیة مثلا فی التعرف على اللغة العربیة: "ان لدراسة اللغة الأکدیة ذاتها والتعرف على تأریخها وسماتها وقواعدها وأوجه الشبه بینها وبین اللغة العربیة أهمیة قصوى وبخاصة للمتکلمین بالعربیة والمهتمین بتأریخها وتأصیل مفرداتها ودراسة نحوها وصرفها، فقد تعین الأکدیة کثیرا على بیان أصالة اللغة العربیة وفهم کثیر من الظواهر اللغویة فیها ومعرفة أصول الوافر من مفرداتها اللغویة مما عجز عن فهمه ومعرفته النحاة واللغویون العرب المسلمون لعدم معرفتهم باللغة الأکدیة". وبحثی هذا هو تواصل مع علماء اللغات القدیمة بالإفادة منها فی نقد التأصیل اللغوی العربی الذی أقامه علماؤنا العرب، والوصول من خلال ذلک إلى محاولة فهم الشعر الجاهلی فهماً جدیداً أو لنقل مختلف عن المألوف والشائع والمتوارث عن القدماء من فهم مفرداته ومعانیها ودلالاتها، ومحاولة قراءة هذا الشعر وفک رموز لغته ودلالات مفرداته وألفاظه کما تقرأ الکتابات الآثاریة وتفک لغة رموزها ودلالات ألفاظها جریاً على منوالها العلمی.